فصل: الركن الثالث: الموصى فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الطرف الثاني: في الموصي له:

فإذا قال: لحمل فلانة كذا، فأنت بولدين، وزع عليهما بالسوية، واستوى الذكر والأنثى في المقدار. ولو قال: إن كان في بطنها غلام فأعطوه، واستحق الغلام دون الجارية.
وإذا أوصى لجيرانه أعطى أهل جواره. والجوار الذي لا شك فهي ما كان يواجهه، الحومة المستقبل بعضها لبعض يجمعهم الطريق والمدخل والمخرج، وما وراء ذلك مما لصق بالمنزل من ورائه وجنباته. وأما إن تباعد ما بين العدوتين حتى يكون بينهما السوق المتسع، فغنما الجوار في ما دنا من إحدى العدوتين، وقد تكون داراً عظمى ذات مساكن كثيرة، كدار معاوية وكثير بن الصلت، فإذا أوصى بعض أهلها لجيرانه اقتصر على أهل الدار.
قال عبد الملك: وجوار البادية أوسع من هذا وأشد تراخيًا إذا لم يكن دونه أقرب منه إلى الموضع، فرب جار وهو على أميال إذا لم يكن دونه جيران إذا جمعهما الماء في المورد والمسرح للماشية.
فرع:
قال عبد الملك: إذا أوصى لجيرانه، أعطي الجار الذي اسم المسكن له، ولا يعطى أتباعه ولا الصبيان، ولا ابنته البكر ولا ضيف ولا نزيل ولا التابع له، وتعطى زوجته، ولا يعطى خدمه إلا أن ينصهم، ويعطى الولد الكبير البائن عنه بنفقته. وأما الجار المملوك، فإن كان يسكن بيتًا على حدة فليعط، كان سيده جاراً أو لم يكن.
وقال ابن سحنون عن أبيه: يعطى ولد الجار الأصاغر وأبكار بناته. وإذا أوصى للفقراء دخل المساكين وكذلك لو أوصى للمساكين لدخل الفقراء، إذ يطلق الاسمان على الفريقين. ولو أوصى لسبيل الله فهو للغزو ثم لا يجب الاستيعاب.
ولو أوصى لزيد وللفقراء بثلثه، فلا يعطى له النصف، ولكن يعطى بالاجتهاد بقدر حاجته وحاله. وإن مات قبل أن يقسم فلا شيء لورثته. والثلث للمساكين، قاله محمد. ولو قال: ثلثي لفلان ولبني فلان ففلان كرجل من بني فلان يأخذ كأحدهم. ولو أوصى للعلويين وللهاشميين أو قبيلة عظيمة صحت الوصية، ثم تفرق بالاجتهاد بقدر حاجتهم، وليس عليه أن يعمهم. واختلف في دخولي الموالي معهم، فروى ابن القاسم في الكتاب: أنهم لا يدخلون معهم.
وقال ابن الماجشون: يدخلون وقال أشهب: إن قال: لتميم دخلوا، وإن قال: لبني تميم، فلا يدخلون، لان قوله: بني تميم، هم أنفسهم. وعاب ابن الماجشون هذا على أشهب، وقال: قد تكون قبائل لا يحسن أن يقال فيها: بنو فلان، منهم: قيس وربيعة ومزينة وجهينة وغيرهم، قال: والأمر واحد حتى يقول: الصلبية دون الموالي.
ولو أوصى لأقارب زيد لدخل فيهم الوارث، والمحرم وغير المحرم، ويدخل فيه كل قريب من جهة الأب والأم، ويؤثر ذوو الحاجة، ولا يؤثر الأقرب على الأبعد، بل يؤثر الأحوج على غيره.
ولو أوصى للأرحام فكوصيته للقرابة سواء. ولو أوصى لقرابة نفسه خرج ورثته بقرينة الشرع، وكانت الوصية كلها للآخرين ولو أوصى للأقرب فالأقرب وترك أبويه وجده وأخاه وعمه، فليقسم عليهم بقدر حاجتهم إليه، ويفضل الأقرب فالأقرب.
قال محمد: قال مالك: ما لم يكونوا ورثة، فإنا نرى أنه لم يرد بوصيته ورثته، والأخ أقرب من الجد، ثم الجد يبدأ بالأخ فيعطى أكثر من الجد وإن كان الأخ أيسرهما، ثم يعطى الجد أكثر من العم وإن كان أيسر منه، ثم يعطى العم، ولا يعطى الأخ جميعه. ولو كان ثلاثة إخوة مفترقين لكان الشقيق أولى، ثم الذي للأب، وإن كان الأقرب موسرًا والأبعد معسرًا، فليعط الأقرب على وجه ما أوصى، ولا يكثر له. وإن كانت وصيته على وجه الحبس، فالأخ أولى وحده، ولا يدخل معه غيره، فإذا هلك صارت لمن بعده.

.القسم الثاني: في المسائل المعنوية:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في الوصية بالمنافع:

والوصية بمنافع الدار وغلة البستان وثمرته صحيحة، وكذا منافع العبد. وحيث أطلق فهو تمليك منفعة بعد الموت لا مجرد إباحة، حتى إذا مات الموصي له ورثه عنه، لأن الموصي به خدمة العبد حياته. إلا أن يظهر من قوله أنه أراد حياة المخدم.
وقال أشهب: الموصي به خدمته حياة الموصي له.
فروع: في العبد المخدم.
ونفقة العبد المخدم على الموصي له بخدمته. ولا يملك الوارث بيعه إن أوصى بخدمته أبدًا، أو إلى عمر أحدها. وإن كان مؤقتًا بزمن محدود، فهو كبيع المستأجر. ولا يجوز في الحيوان إلا في الزمن اليسير، بخلاف الماشية الموصي بنتاجها للغير، فإنه يجوز بيعها لبقاء بعض المنافع. وإذا قتل العبد عمدًا فللوارث استيفاء القصاص ويحيط حق الموصي له. وكذلك إن رجع إلى القيمة فإن الوارث يختص بها، وإن جنى هو تعلق الأرض برقبته، فإن أسلمه الورثة بطل حق الموصي له، وإن فدوه استمر حقه. وطريق احتسابه من الثلث أن تعتبر جملة قيمة العبد، فإن خرجت من الثلث نفذت الوصية، وإن لم تخرج من الثلث خير الورثة بين الإجازة أو القطع له بثلث الميت كله.

.الفصل الثاني: في فروع متفرقة:

الأول: إذا ملك قريبه في مرض الموت بالإرث عتق عليه من رأس ماله، وإن ملكه بالشراء عتق من الثلث، وحكم الابن في ذلك حكم غيره.
قال ابن القاسم: من اشترى ابنه في مرضه جاز إن حمله الثلث، وعتق وورث باقي المال إن انفرد، أو حصته إن كان معه غيره. ولو أعتق الأب مع ذلك عبدًا له لبدئ الابن وورث إن حمله الثلث.
وقال محمد بن مسلمة وعبد الملك وسحنون: له شراء الابن خاصة، ولو بكل المال إذ له أن يستحلفه بخلاف الأب، وإن ملكه بقبول وصية أو هبة فهو كملكه بالبيع. ثم إذا عتق من الثلث أو من رأس المال ورث.
وقال أصبغ: لا يرث بحال، لأنه لا يعتق إلا بعد الموت.
وقال الشيخ أبو بكر: في توريثه نظر، لأنه إخراج لورثته عن الميراث بعد ثبوت سببه لهم.
الثاني: إذا قال: اعتقوا عبدي بعد موتي، لم يفتقر إلى قبول العبد، لأن الله حقًا في العتق. وكذلك لو أوصى له برقبته.
ووقع في الكتاب: إذا أوصى ببيع جاريته ممن يعتقها فأبت، فإن كانت من جواري الوطء فذلك لها، وإلا بيعت ممن يعتقها. وقيل: لا يلتفت إلى قولها، كانت رائعة أم لا، وتباع للعتق إلا ألا يوجد من يشتريها بوضيعة ثلث الثمن.
قال أبو إسحاق التونسي: لما لم ينجز عقها، وإنما أوصى أن تباع ممن يعتق، وهي لا تكن حرة بعد موته إلا بأن تعتق، وكان العتق ضررًا عليها، ردت وصية الميت عند ابن القاسم، كمن أوصى بإضرار.
وأوجب غيره عتقها، لأنه أمر فرط منه ومات عليه، فأشبه قوله: إن مت فهي حرة.
ولو قال في وصيته: اشتروا عبد فلان لفلان، أو فاعتقوه، أو بيعوا عبدي من فلان، أو ممن أحب، أو ممن يعتقه، نفذ، فإن امتنع المشتري أن يشتريه بمثل الثمن، أو امتنع الذي يبتاع منه أن يبيعه بمثل الثمن، فإنه يزاد في المشتري وينقص في المبيع ما بينك وبين ثلث ثمنه لا ثلث الميت، لا، النظر إلى تغابن الناس في بياعاتهم، فإن أبى الذي يبتاع منه أن يبيع إلا بأكثر من الثمن أو ثلثه، فإن كان الشراء للعتق فيستأنى بالثمن، فإن بيع وإلا رد الثمن ميراثًا.
وفي رواية ابن وهب وغيره: إن الثمن يوقف ما لم يمت العبد أو يعتقن وعليه أكثر الرواة. وإن كان الشراء لفلان دفع المبذول إلى فلان إن كان الامتناع من البائع ليزداد ثمنًا، وإن امتنع ضنًا بالعبد عاد المبذول ميراثاً.
وقال غيره وهو أشهب: إن امتنع لزيادة أو ضنانة فذلك سواء يكون الثمن موقوفًا حتى ييئس من العبد فيكون ميراثًا، لأنه أوصى له برقبة لا بمال. وأما الذي يباع للعتق فيخير الورثة بين بيعه بما سئلوا أو يعتقوا ثلث العبد. وأما الذي يباع ممن أحب فكذلك حكمه عند ابن القاسم، وروى غيره: أن الورثة إذا بذلوه لمن أحب بوضيعة الثلث فأبى، فليس عليهم غير ذلك. وأما الذي يباع من فلان فيخير الورثة بين بيعه بما سئلوا أن يعتقوا ثلث العبد. وأما الذي يباع مخمن أحب فكذلك حكمه عند ابن القاسم، وروى غيره: أن الورثة إذا بذلوه لمن أحب بوضيعة الثلث فأبى، فليس عليهم غير ذلك. وأما الذي يباع من فلان فيخير الورثة بين بيعه منه بما أعطى أو القطع له بثلث العبد.
الثالث: من أوصى بثلث ماله فاستحق ثلثاه، فالوصية ثلث الثلث بحكم الشيوع.
الرابع: فيما يدخل فيه الوصايا.
قال في كتاب محمد، وفي المجموعة نحوه، قال مالك وأصحابه: لا تدخل وصايا الميت إلا في ثلث ما علم به من ماله. ولا يدخل في كل ما بطل فيه إقراره في مرضه لوارث؛ أو ما أقر في مرضه أنه كان أعتقه في صحته أو تصدق به أو أوصى به لوارث فرده الورثة. وأما ما كان يعلمه مثل المدبر في المرض، وكل دار ترجع بعد موته من عمري أو حبس هو من ناحية التعمير، فالوصايا تدخل فيه، ويرجع فيه من انتقص من وصيته ولو بعد عشرين سنة. وكذلك ما رجع بعد موته من عبد آبق أو بعير شارد وإن كان يئس منه، وأما إن اشتهر عنده في الناس غرق سفينته وموت عبده، ثم ظهرت سلامة ذلك بعد موته فروى أشهب فيه عن مالك قولين، قال: لا تدخل فيه الوصايا، وقال: تدخل. وقد ينعى إليه العبد وهو يرجوه. هذا كله فيما عدا المدبر في الصحة، فإنه يخرج مما علم به الميت ومما لم يعلم به.
الخامس: إذا أراد الورثة كشف حال الموصي في تفرقته الثلث، فليس لهم ذلك إلا فيما يبقى لهم نفعه خاصة، مثل الولاء وشبهه.

.القسم الثالث: في المسائل الحسابية:

فإذا قال: أوصيت له بمثل نصيب ابني، أو بنصيب ابني، وله ابن واحد، فهي وصية بجميع المال، فإن أجازها الابن وإلا نفذت في الثلث خاصة. ولو كان له ابنان وأوصى بمصيف واحد فهي وصية بالنصف، وإن كانوا ثلاثة فبالثلث. وبالجملة يكون له نصيب أحد البنين في الميراث.
وكذا إذا أوصى بنصيب ابن ثالث لو كان، ولم يكن في الحال، فهو كما لو كان أوصى بمثل نصيبه. وقيل: يقدر الموصى له في هذه الصورة كزائد عليهم، فيكون له مع الثلاثة الربع، ومع الخمسة السدس، وعلى هذا الحساب.
ولو كان له بنون وغيرهم من الورثة قسمت التركة على الفرائض، فيما خص أحد البنين أخذ مثله، ثم يضم الباقي من المال أجمع فيقسم على الفرائض كأنه جملة المال.
ولو أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته أعطى جزءًا سميًا لعدد رؤوسهم كثلث إن كانوا ثلاثة، أو أربع، وشبه ذلك.
ولو أوصى بجزء من ماله أو سهم أعطى سهمًا مما بلغته سهام الفريضة، وقيل: له الثمن، لأنه أقل سهم سماه الله تعالى في كتابه الكريم، وقيل: له الأكثر من السدس من سهم من سهام الفريضة، لأن السدس أقل السهام في الأصول، لأن الثمن إنما يستحق بالحجب.
ومن أوصى بضعف نصيب ولده، فقد قال القاضي أبو الحسن: لست أعرف حكمها منصوصة، غير أني وجدت لبعض شيوخنا أنه مثل نصيب ولده مرة واحدة، فإن قال: ضعفين، أعطي مثل نصيبه مرتين. ثم حكى عن الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما أنهما يقولان: إن ضعف النصيب مثله مرتين. ثم قال: وهذا في نفسي أقوى من جهة اللغة.
ولو قال: فلان وارث مع ولدي أو مع عدد ولدي، أو ألحقوه بولدي، أو ألحقوه بميراثه، أو ورثوه في مالي، ويكون له ابن ابن قد مات أبوه فيقول: ورثوه مكان أبيه، ففي هذا كله إن كان البنون ثلاثة فهو كابن رابع، وإن كانوا أربعة فهو كالخامس، ولو كان له ثلاثة ذكور وثلاثة بنات لكان كرابع من الذكور. ولو كانت الوصية لأنثى لكانت كرابعة من الإناث.

.الباب الثالث: في الرجوع عن الوصية:

ويصح الرجوع عنها متى شاء الموصي، لأنها إنما تتم بالموت والقبول بعده، كما تقدم. وللرجوع أسباب.
أولها: صريح الرجوع، كقوله: رجعت، ونقضت، وفسخت، وهذا لوارثي، وشبه ذلك.
الثاني: ما يتضمن الرجوع كالبيع والعتق والكتابة والاستيلاد، فإن ذلك ضد الوصية.
وقال أشهب: لو باع الموصي به ثم اشتراه عادة الوصية ونفذت للموصي عليه.
وأما لو أوصي به بزرع ثم حصده، أو بتمر ثم جده، أو بصوت ثم جزه، فليس شيء من هذا كله برجوع، إلا أن يدرس القمح ويكيله ويدخله بيته فذلك رجوع.
ولو أوصى له بثوب فصبغه، فقال ابن القاسم وأشهب: الثوب يصبغه للموصى له، قال أشهب: وكذلك لو غسله، أو كانت داراً فجصصها أو زاد فيها بناء، أو بسويق فلته، لأنه لم يتغير بتغيره الاسم.
وقال أصبغ: يكون الورثة شركاء بقدر اللتات، وكذلك صبغ الثوب وبناء الدار.
أما إذا أوصى بعبد لزيد، ثم أوصى به لعمرو، فهو تشريك بينهما، كما لو قال: أوصيت لهما. ولو قال: الذي أوصيت به لزيد فقد أوصيت به لعمرو، فهو رجوع.
ولو أوصى بثلث ماله لرجل، وبجميعه لآخر، فليس برجوع، والثلث بينهم على أربعة أسهم.
ولو أوصى بثلث ماله ثم باع جميع ماله يكن رجوعًا، لأن الثلث المرسل لا ينحصر في العين الحاضرة.
الثالث: مقدمات الأمور، كالعرض للبيع، وكمجرد الإيجاب في الرهن، فإنه لا يكون رجوعًا، بل نفس الرهن لا يكون رجوعًا وليبدأ من رأس المال.
وتزويج الأمة والعبد. وتعليمهما ليس برجوع الوطء مع العزل ليس برجوع.
الرابع: ما يبطل اسم الموصي به. كما لو أوصى بغزل فحاكه ثوبًا، أو ببرد فلقطعه قميصًا، فهو رجوع. قال أشهب: وكذلك لو أوصى بقميص ثم قطعه فباء، أو بجبة فردها قميصًا، أو ببطانة ثم بطن بها، أو بظهارة ثم ظهر بها ثوبًا، أو بقطن ثم حشا به أو غزله، أو بفضة ثم صاغها خاتمًا، أو بشاة ثم ذبحها، فهذا كله رجوع. قال أشهب: وإن أوصى له بعرصة فبناها داراً، فذلك رجوع.
وقال غيره: بل يكونان شريكين بقدر قيمة البناء من العرصة. ولو أوصى له بدار فهدمها حتى صارت عرصة فليس برجوع فيها، لأنه موصى له بعرصة وبنيان فأزال البنيان وأبقى لعرصة. قال محمد: ولا وصية له في النقص الذي نقص.
وقال ابن القاسم: العرصة والنقص للموصى له.
الخامس: في اجتماع وصيتين للشخص الواحد: ومن أوصى لشخص بوصية بعد أخرى، فإن كانتا من صنف واحد فزادت إحداهما، كما إذا أوصى لرجل بشي لا بعينه من صنف، ذكر منه كيلاً أو وزنًا أو عددًا من طعام أو عروض أو عين أو غير ذلك، أو بعدد بغير عينه من رقيق عنده أو غنم أو دور، ثم أوصى له من ذلك الصنف بأكثر من تلك التسمية، فله أكثر الوصيتين. وكذلك لو أوصى له ثانيًا بأقل منها، على رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم، لأنه يحتمل أن يكون الأقل بعدها رجوعًا عنها إلى الأقل، ويحتمل أن يكون زيادة مضمونة إليها، والأولى متيقنة فكانت أولى من الأقل.
وروى مطرف وابن الماجشون، وهو في المجموعة من رواية علي بن زياد: أن له الوصيتين جميعًا، إذ لا تناقض واللفظ يقتضيهما.
وقيل: إن كانت الأولى آكد أخذهما جميعًا، وإن كانت أقل أخذ الأخيرة فقط، لأن مقصوده الزيادة على الأولى.
وأما إذا كان أوصى له أخرى بصنف آخر، فله الوصيتان جميعًا. ولو أوصى لع بعشرة دنانير تارة وتارة بالثلث فله الأكثر. قال أصبغ وسحنون: هذا إن كان ماله عينًا كله. قال محمد: قال أصبغ: فإن كان فيه عين، فله ثلث العرض والأكثر من ثلث العين أو التسمية، وهو قول أشهب.

.الباب الرابع: في الوصية:

.والنظر في أركانها وأحكامها:

أما الأركان فأربعة:

.(الركن) الأول الوصي:

وشروطه أربعة:
الأول: التكليف. فلا تصح إلى مجنون أو صبي، لأنهما يحتاجان إلى الموصي فكيف تفوض إليهما الوصية.
الثاني: الإسلام. فلا تجوز الوصية إلى كافر، ويعزل إن وصى إليه ولو كان ذميًا.
قال ابن القاسم في الكتاب: قال مالك في المسخوط: لا تجوز الوصية إليه، فالذمي أحرى ألا تجوز الوصية إليه.
وقال فيها أيضًا: قال مالك: لا يجوز ذلك أوصى إلى غير عدل، فالنصراني غير عدل.
وقال في بعض مجالسه: إلا أن يرى الإمام لذلك وجهًا.
وقال في العتبية: كره مالك الوصاية إلى اليهودي والنصراني، وكان قد أجازها قبل ذلك. قال: وإذا كان قريباً، كالأب والأخ والخال، فيوصيه على الصلة والرحم، يصل بذلك رحمه، فلا بأس به. وأما الأباعد فلا، أو مولاه، أو تكون زوجته ومن يرجى منه حسن النظر لولده من أقاربه أو ولاته، فإن كان كذلك فأرى أن يجعل معه غيره، ويكون المال بيد المجعول معه، ولا تفسخ وصية الآخر.
وقاله مطرف وأصبغ.
الثالث: العدالة. قال في الكتاب: ولا تجوز الوصية إلى ذمي أو مسخوط، ومن ليس بعدل. ويعزل إن أوصى إليه. ولو ولي العدل ثم طرأ الفسق عليه وجب عزله عنها.
الرابع: الكفاية والهداية في التصرف: فلا يفوض إلى العاجز في التصرف على وفق المصلحة. ولا تشترط الحرية، بل تجوز الوصية إلى العبد، كان له أو لغيره، ويتصرف بإذن مولاه.
ولا تشترط الذكورية أيضا، فلو أوصى إلى زوجته، أو غيرها ممن يصلح للوصية، صحت الوصية إليها، بل لو أوصى إلى مستولدته أو مدبرته لصحت الوصية إليهما.
ولا يشترط نظر العين، بل يجوز أن تستند الوصية إلى الأعمى إذا كان على الشروط المذكورة.

.الركن الثاني: الموصي:

وهو كل من كانت له ولاية على الأطفال شرعًا كالأب والوصي، فلا تصح الوصية من الأم. وروي تصحيحها في اليسير كخمسين دينارًا أو نحوها. قال ابن القاسم: وذلك من مالك استحسان وليس بقياس. قال: وذلك عندي فيمن ليس له أب ولا وصي ومنعها أشهب في اليسير والكثير. قال سحنون: قول أعدل.
ولا يجوز نصب الوصي على ذكور الأولاد البالغين، إلا أن يكونوا محجورًا عليهم، نعم ينصب وصيًا في فضاء الديون وتنفيذ الوصايا.
ويجوز نصب الوصي في حياة الجد، إذ لا ولاية له، إلا أن ينصب من قبل من يصح نصبه.

.الركن الثالث: الموصى فيه:

وهو التصرف في المال بقضاء الديون وتفريق الثلث، وغير ذلك مما سيأتي تفصيله، وفي صغار الولد بالولاية عليهم، وإنكاح من يجوز إنكاحه من الأولاد، كما تقدم.

.الركن الرابع: الصيغة:

وهي أن يقول: أوصيت إليك، أو ما يقوم مقام ذلك في الدلالة على تفويضه الأمر إليه بعد موته، كقوله: فوضت إليك أمر أموالي وأولادي، وأسندت أمرهم إليك وأقمتك فيهم مقامي، أو ما يشبه ذلك مما يدل على التفويض إليه. ثم النظر في طرفين.
الأول: في تعدد ما يوصى فيه. وإطلاق لفظ الوصية يتناول نوعي الوصية وحقوقها جميعًا. وتخصيص اللفظ وتقييده بنوع من الحقوق مخصوص دون غيره يقتضي القصر عليه. فأما إن أوصى إليه بنوع، ولم يذكر قصره عليه ولا أنه ليس له النظر في غيره، فروى ابن القاسم: أنه لا يكون وصيًا إلا فيما عين له ونص عليه، لأن الأصل منعه من التصرف إلا بإذن، والإذن قاصر.
وروى ابن عبد الحكم: أنه إذا قال له: أنت وصيي في هذا، لأحد النوعين، أو لشيء مما يدخل تحت أحدهما، فهو وصيه في كل شيء، كما لو أطلق. فأما إن أوصى إلى أحد الوصيين بأمر خاص، مثل قضاء دينه وأوصى إلى الآخر بأمر خاص أيضًا، كالنظر في أمر ولده وشبه ذلك فليس أحدهما النظر فيما رده إلى الآخر، بغير خلاف في المذهب، حكى ذلك المتأخرون.
الطرف الثاني: في أحكام تعدد من يوصي إليه.
وإذا أوصي إلى رجلين فمطلقه منزل على التعاون حتى لا يستقل أحدهما بشيء، إلا إذا صرح الموصي بإثبات الاستقلال. وإذا لم يثبت الاستقلال فمات أحدهما انفرد الآخر، إلا أن يخشى عجزه وعدم استقلاله فيقام معه عوض المتوفى. وكذلك إن لم يكن ظاهر العدالة، فاحتيج إلى الاستظهار عليه.
ولو أوصى أحدهما عند موته، ففي انتقال ما كان إليه إلى وصيه خلاف، منعه سحنون في الكتاب وأجازه أشهب، ورواه علي بن زياد. ولو أوصيا جميعًا بما إليهما لصحت الوصية ونفذت.
ومهما اختلف الوصيان في تعيين من تصرف إليه الوصية من الفقراء، أو في حفظ المال، تولى القاضي الأمر المتنازع فيه. ولا يقسم المال المتنازع في حفظه بينهما، بل إن رأى أن يضعه عند أعدلهما أو أملاهما، إن استوت عدالتهما، أو يجتمعا عليه جميعًا، فعل، وإلا نزعه منهما جميعًا وجعله تحت يده، أو يد من يثق به. قال ابن كنانة: إذا جعله السلطان عند أحدهما ختمًا عليه جميعًا.
وقال علي: أعجب إلي أن يقسموا إن تشاحوا، ولا ينزع منهم
وقال أشهب: أكره لهما قسمة المال، وليكن بيد أعدلهما. فإن اقتسماه واتكل فيه أحدهما على صاحبه، ولا بأس به عنده، لم يضمناه.
وقال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا اقتسما المال ضمناه، فإن هلك ما بيد أحدهما ضمنه صاحبه حين أسلمه إليه.
أما أحكام الوصاية، فهي أنها عقد جائز في حال حياة الموصي، ولازم بعد وفاته. فللموصي عزل الوصي، وللوصي عزل نفسه بعد القبول في حياة الموصي. وظاهر إطلاق القاضي أبي محمد وشيخه الشيخ أبي القاسم منعه من الرجوع بعد القبول مطلقًا، إلا أن يعجز أو يكون له عذر في تركها.
وقال القاضي أبو الحسن: إذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي لم يكن له أن يرجع بعد موته، ولعل هذا مرادهما.
وقال ابن القاسم: ولو لم يقبلها حتى مات فإنما ذلك إليه.
وقال أشبه: لا رجوع له وإن قبلها بعد موته. ومن أبى قبول الوصية في حياة الموصي وبعد وفاته، ثم أراد قبولها، فليس ذلك له إلا أن يجعله السلطان لحسن نظره.
ثم الوصي يقضي ديون الصبي، وينفق عليه بالمعروف، ويزكي ماله، ويدفعه قراضًا وبضاعة في البر والبحر.
واختلف في عمله هو فيه قراضاً، فمنعه أشهب وقاسه على منعه من أن يبيع لهم من نفسه أو يشتري لها.
وقال غيره: إذا أخذه على جزء من الربح يشبه قراض مثله فيه أمضى كشرائه شيئا لليتيم يتعقب فيكون أحسن لليتيم. يتعقب فيكون أحسن لليتيم. قال محمد بن عبد الحكم: وله أن يبيع له بالدين إن رأى نظرًا. قال ابن كنانة: وله أن ينفق في عرس اليتيم ما يصلح من صنيع وطيب ومصلحته بقدر حاله وحال من تزوج إليه، وبقدر كثرة ماله. قال مالك: وكذلك في ختانه، فإن خشي أن يتهم رفع ذلك إلى السلطان، فيأمره بالقصد. وكل ما فعله على وجه النظر فهو جائز، وما فعله على وجه المحاباة وسوء النظر فلا يجوز.
ولا ينبغي لولي أن يشتري مما تحت يده شيئا، لما يلحقه في ذلك من التهمة، إلا أن يكون البيع في ذلك بيع سلطان في ملأ من الناس.
وقال محمد بن عبد الحكم: لا يشتري من التركة، ولا بأس أن يدس من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله.
وروى ابن القاسم في الكتاب: وأما الوصي فلا يشتري وكيل له، ولا يدس من يشتري له.
وقال ابن كنانة: لا يشتري منها، ولا يدس من يشتري له، إلا أن يأمر الغمام ببيع ذلك لدين أو لوصية فله أن يبتاع إلا أن يخاف أن يكسر سلع الميت لولايته.
ولا يباع ريع الأيتام إلى من حاجة، أو يعطى فيه ما فيه غبطة من الثمن، مثل الملك يجاوزه أو ما أشبه مما يرى المصلحة في البيع لأجله. وإذا كان في الورثة كبار لم يبع الوصي شيئا إلا بحضرتهم.
قال ابن القاسم: ولا يقسم الوصي على الكبار إذا كانوا غيبًا حتى يأتي السلطان.
وأجاز أشهب أن يقسم عليهم في غيبتهم، ورده سحنون.
وقال ابن القاسم أيضًا: ينبغي للوصي ألا يقسم بين الأطفال، ولكن يأتي السلطان فيقسم عليهم، فإن لم يأته وقسم هو عليهم جاز ذلك إذا كانت قسمة عدل.
وإذا قضى الوصي بعض الغرماء وبقي من مال الميت بقية تفي بما بقي عليه من الدين كان فعل الوصي جائزًا، فإن تلف باقي المال فلا شيء لباقي الغرماء على الوصي ولا على الذين اقتضوا. وإن قضى الغرماء جميع مال الميت ثم أتى غرماء آخرون، فإن كان عالمًا بالدين الباقي، أو كان الميت موصوفًا بالدين ضمن الوصي لهؤلاء الغرماء ما كان يصيبهم في المحاصة، ورجع على الذين اقتضوا دينهم بذلك، وإن لم يكن عالمًا ولا كان الميت معروفًا بالدين فلا شيء على الوصي.
وإذا دفع الوصي دين الميت بغير إشهاد ضمن. وأما إن أشهد فطال الزمان حتى مات الشهود فلا شيء عليه.
ومهما نازع الصبي الوصي في قدر النفقة ونسبه إلى دعوى الزيادة فيه، أو نسبة إلى الخيانة في بيع، فالقول قول الوصي لأنه أمين، والأصل عدم الخيانة. هذا إذا كان الصبي في حجره وادعى من الإنفاق ما يشبه، فإن زاد عليه حسب له ما يشبه وغرم الباقي، لأنه فيه كالمعتدي. ولو كان لليتيم حاضن، أم أو غيرها، لم يصدق في دفع شيء من النفقة إلا بينة، أو يأتي بما لا يشك في صدقه فيه. وإن نازعه في تاريخ موت الأب إذ به تكثر النفقة أو في دفع المالي إليه بعد البلوغ والرشد، فالقول قول الصبي، إذ الأصل عدم ما ادعاه الوصي، وإقامة البينة عليه ممكن مأمور به. فلم يقبل قوله فيه.

.كتاب الفرائض:

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض، وعلموها الناس، فإنها نصف العلم، وإني امرؤ مقبوض، وسينزع العلم من أمتي حتى يختلف الرجلان في فريضة فلا يجدان من يعرف حكم الله فيها».
وفي الكتاب أبواب:

.الباب الأول: في بيان الوراثة:

والتوريث: إما بسبب، وإما بنسب. والسبب إما عام كجهة الإسلام في صرف الميراث إلى بيت المال على المشهور. وإما خاص كالإعتاق، ولا يورث به إلا بالعصوبة، أو كالنكاح، ولا يورث به إلا بالفرضية.
وأما النسب: فالقرابة. والمستحقون بها نوعان: نوع يستحق بغير واسطة وهم البنون والبنات والآباء والأمهات، ونوع يستحق بواسطة بينه وبين الميت، وهم أربعة أصناف:
الصنف الأول: ذكور يتسببون بذكور، وهؤلاء هم العصبة، كبني البنين وإن سلفوا، وآباء الآباء وإن علوا، والإخوة وبينهم وإن بعدوا، والأعمام وبنيهم وإن بعدوا، فهؤلاء لا يرث منهم إلى من تسبب ذكر. وأما من تسبب بأنثى فلا ميراث له، كالجد للأم وبني الإخوة للأم، وبني البنات، ومن في معنى ذلك إلا الإخوة للأم، لكن لا يرث هؤلاء بالتعصب.
الصنف الثاني: إناث يتسببن بإناث، ولا يرث من هذا الصنف إلى اثنتان: الجدة للأم والأخت للأم.
الصنف الثالث: ذكور يتسببون بإناث، ولا يرث هذا الصنف إلا واحد وهو الأخ للأم.
الصنف الرابع: إناث يتسببن بذكور، ويرث من هذا الصنف ثلاثة: الأخوات للأب، وبنات البنين، والجدة أم الأب.
وقد تحصل من هذا أن الوارثين من الرجال عشرة: الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد للأب وإن علا، والأخ وابن الشقيق، أو للأب وإن بعد، والعم الشقيق أو للأب وابنه وإن بعد والزوج، ومولى النعمة.
والوارثات من النساء سبع: البنت، وبنت الابن وإن سفل، والأم، والجدة وإن علت، والأخت، والزوجة، ومولاة النعمة.
ومن عدا هؤلاء كأبي الأم وأمه، وأولاد البنات وبنات الإخوة وأولاد الأخوات وبني الإخوة للأم، والعمل للأم وأولاده، والعمات والأخوال والخالات وأولادهم، وبنات الأعمام، فهم من ذوي الأرحام، ولا شيء لهم ولا لمن أدلى بهم.
ولنذكر ما به تكون الوراثة:
وتكون بنوعين: تعصيب، وسهام مقدرة. ومعنى التعصيب من يرث به يستغرق المال إذا انفرد، ويستحق الباقي عن ذوي اسهام إذا كان معه ذوو سهام. ويرث به كل ذكر يدلي بنفسه أو بذكر.
وأما السهام، وهي الفروض المقدرة، فيرث بها ثلاثة أصناف:
صنف لا يرثون إلا بها خاصة، وهؤلاء ستة: الأم والجدة والزوج والزوجة والأخ للأم والأخت للأم.
وصنف يرثون بها وبالتعصيب، وقد يجمعون بينهما.. وهؤلاء اثنان: الأب والجد، فإن الأب يفرض له السدس مع الولد أو ولد الابن، ثم إن فضل له شيء أخذه بالتعصيب، وكذلك الجد، وسيأتي له مزيد بيان.
وصنف يرثون تارة بها وتارة بالتعصيب، ولا يجمعون بينهما. وهؤلاء أربع، وهن: البنات وبنات الابن والأخوات الأشقاء والأخوات للأب.
فإن البنات يفرض للواحد منهن النص، وللاثنتين فصاعدًا الثلثان، فإن كان لهم أخ لم يرثن بالسهام وورثن بالتعصيب.
وكذلك حكم بنات الابن إذا استحققن الوراثة، كحكم البنات إذا انفردن أو كان معه ذكر في درجتهن أو أسفل منهن.
وكذلك الأخوات الأشقاء أو اللاتي للأب مع عدم الأشقاء: فللواحدة منهن النصف، وللاثنتين فصاعدًا الثلثان. ويعصبهن أربعة أصناف: الجد، والأخ في درجتهن، وبنا الصلب، وبنات الابن ولنبين الفروض المقدرة، وهي ضربان: فرض هو أصل مقدر بالنص، وفرض ليس بأصل ولكنه ثبت لعارض أوجب خروجه عن الأصل.
فأما الفروض التي هي أصول، فهي ستة: النصف ونصف وربعه والثلثان ونصفهما وربعهما.
فالنصف: فرض خمسة: بنت الصلب، وبنت الابن من عدمها، والأخت للأب والأم، أو للأب مع عدمها، والزوج مع عدم الحاجب.
والربع: فرض صنفين: الزوج مع وجود الحاجب، والزوجة أو الزوجات مع فقده.
والثمن: فرض الزوجة أو الزوجات مع وجود الحاجب.
والثلثان: فرض كل اثنتين فصاعدًا، تستحق إحداهن إذا انفردت النصف.
والثلث: فرض صنفين: الأم مع فقد الحاجب، والاثنتين فصاعدًا من ولد الأم ما كانوا.
والسدس فرض سبعة: الأب مع وجود الحاجب، والأم أيضًا مع وجود الحاجب، والجدة انفردت أو كان معها أخرى تشاركها، والواجدة من بنات الابن فأكثر إذا كان هناك بنت الصلب، والأخت للأب فأكثر، مع وجود الأخت الشقيقة، والواحد من ولد الأم ذكرًا كان أو أنثى، والجد مع الولد أو ولد الابن، وقد يفرض له أيضًا مع الأخوة وذوي السهام.
وأما الفرض الخارج عن هذه، فهو ثلث ما بقي في ثلاث مسائل، وهي: زوج وأبوان، وزوجة وأبوان وفي مسائل الجد مع الإخوة إذا كان ثلث ما بقي عن ذوي السهام أحظى له. ثم كل واحد من ذوي الفروض فذلك فرضه إذا انفرد عمن يحجبه عنه.
والحجب على قسمين: حجب إسقاط وحجب نقل.
فأما حجب الإسقاط فلا يلحق من يتسبب إلى الميت بنفسه أصلاً كالبنين والبنات والآباء والأمهات، وفي معناهم الأزواج والزوجات، ويلحق من عداهم.
ولترتب الحجب على ترتيب الوارثين والوارثات، فنقول:
أما ابن الابن فلا يحجبه إلا الابن. والقريب من ذكور الحفدة يحجب البعيد. وأما الجد فلا يحجبه إلا الأب، وإذا رتبت الأجداد فالقريب يحجب البعيد. وأما الإخوة فيحجبهم الابن، وابنه وإن سفل، والأب.
وأما بنو الإخوة فيحجبهم آباؤهم ومن يحجبهم، والجد لأنه كالأب معهم. وأما العمومة فيحجبهم بنو الإخوة ومن حجبهم. وأما بنو العمومة فيحجبهم آباؤهم وهم حجبهم.
هذا ترتيب الذكور في الطبقات، فإن اختلف ذوو طبقة واحدة في القرب، فالأقرب أولى كالإخوة مع بنيهم، والعمومة مع بنيهم، وإن تساووا في الطبقة والقرب ولأحدهم زياد ترجيح بمعنى مناسب لجهة التعصيب قدم الأرجح كالأخ الشقيق مع الأخ للأب، والعم شقيق الأب مع غير الشقيق. أما ولد الأم فيحجبهم عمودا النسب: الأب والجد والولد وولد الابن.
وأما الإناث فيحجب بنات الابن الواحد من ذكور ولد الصلب، ويسقطن أيضًا مع الاثنين فصاعدًا من بنات الصلب، إلا أن يكون معهن ذكر في درجتهن أو تحتهن. وكذلك الأخوات للأب يحبهن الواحد من الأشقاء، ويسقطن أيضًا بالشقيقتين إذا لم يكن معهن ذكر.
فأما الأخوات للأب والأم فلا يسقطهن إلا الأب أو الابن وابن الابن وتسقط الجدات، من أي جهة كن، بالأم، وتسقط التي من جهة الأب به، وتسقط البعيد من جهته بالقربى من جهة الأم.
والمولى المعتق يحجبه عصبة النسب، ويسقط إذا استغرقت الفرائض التركة، كسائر العصبة. وكذلك مولاة النعمة. هذا جملة حجب الإسقاط.
وأما حجب النقل فهو على ثلاثة أقسام:
نقل من فرض إلى فرض دونه. ونقل من تعصيب إلى فرض. ونقل من فرض إلى تعصيب. فأما النقل من فرض إلى فرض، فيختص بخمسة أصناف:
الأم ينقلها الولد، ذكورًا كانوا أو إناثًا، وولد الابن ما كانوا، والاثنان فصاعدًا من الإخوة، ذكورًا أو إناثًا، من أي جهة كانوا، فيردونها من الثلث إلى السدس.
والصف الثاني: الأزواج، ينقلهم الأولاد، وأولاد ذكورهم، من النصف إلى الربع.
والصنف الثالث: الزوجان ينقلهن عن الربع إلى الثمن من ينقل الأزواج.
والصنف الرابع: بنات الابن تنقل الواحدة منهن عن النصف، والاثنتين فأكثر عن الثلثين، الواحدة فوقهن، فيأخذن السدس.
والصنف الخامس: الأخوات للأب ينقلهن إلى السدس الأخت الشقيقة.
وأما النقل من تعصب إلى فرض فيختص بالأب والجد، فينقلهما الابن وابنه إلى السدس، ولا يرثان مع هذين بالتعصيب، وكذلك أيضًا إن استغرقت السهام المال فإنه يفرض لأيهما كان السدس، كزوج وابنتين وأم وأب أو جد، وسيأتي حكم الجد مع الإخوة.
وأما النقل من فرض إلى تعصيب فقد تقدم في البنات وبنات الابن والأخوات الأشقاء الأخوات للأب، وذكرنا من يعصبهن.
وشذ من هذا القسم مسألة تسمى الغراء لانفرادها بحكم يختص بها، وتسمى الأكدرية، واختلف في علة تسميتها بذلك، فقيل: لأن قول زيد تكدر فيها وقيل: لأن إنسانًا يسمى أكدر سئل عنها فأخطأ فيها. وهي: زوج وأم وجد وأخت شقيقة أو الأب
فمقتضى ما تقدم أن الجد يعصبها، فإذا عصبها فلا يفرض لها شيء، لكنه لما كان حقيق التعصيب أن تقسم معه، والقسم لا يمكن ها هنا لأنه ينقص الجد عن السدس، ولا يمكن نقصه عنه، لم يكن بد من أن يفرض لها النصف، وتعول الفريضة بنصفها، فتصير تسعة تأخذ ثلاثة أسهم من تسعة، وللجد سهم، ثم يرجع الجد فيقاسم الأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين، وأربعة على ثلاثة غير منقسمة ولا موافقة، فتضرب ثلاثة في تسعة فتبلغ سبعة وعشرين، يكون للجد والأخت أربعة أسهم مضروبة في ثلاثة باثني عشر سهمًا، يأخذ الجد ثمانية وتأخذ الأخت أربعة. ويشترط في هذه المسألة شرطان:
أحدهما: اقترن الأنوثة بالأخوة، فلو كان مكان الأخت أخ لم يأخذ شيئا، لأنه عاصب بنفسه، فلا يفرض له شيء.
الشرط الثاني: ألا يكون للميت أخت أخرى من جهة من الجهات، فإنه متى كانت أخت ثانية أو أخوات، من أي جهة كن، فإن الأم لا تأخذ في هذه المسألة إلا السدس، ويبقى للأخوات سهم يقاسمهن الجد فيه، ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس على ما يأتي تفصيله.
ومما ينخرط في سلك الشذوذ أيضًا مسألة تسمى الحمارية. وأصل هذه التسمية: أن الإخوة الأشقاء لم يبق لهم بعد أهل القسمة شيء فقالوا لعمر رضي الله عنه: هب أبانًا كان حمارًا، ألسنا نشارك الإخوة للأم في الأم؟ وتسمى أيضًا المشتركة، لمشاركة الإخوة الأشقاء، وهم يرثون بالتعصيب للإخوة للأم، وهم يرثون بالفرض المسمى.
وتتصور في مسألة فيها زوج وأم أو جدة وإخوة لأم، ذكورًا أو إناثًا، وأخ أو إخوة أشقاء. فإن الزوج يأخذ النصف، والأم أو الجدة السدس، والذين من قبل الأم الثلث، فيفرغ المال، فيسقط الإخوة الأشقاء الوراثة بالأب، ويشاركون الإخوة للأم في الثلث، فيقتسمونه على حكم الوراثة للأم، حتى لو كان معهم أخوات أشقاء وإخوة كذلك، يتساوى الذكر والأنثى. ويشترط في هذه المسألة وجهان.
أحدهما: أن يكون الأشقاء ذكورًا أو ذكورًا وإناثًا، فأما لو كن إناثًا فقط لورثن بالفرض، يفرض للواحدة منهن النصف وللاثنتين فصاعدًا الثلثان.
والوجه الثاني: أن يكون أشقاء حتى لو كانوا للأب فحسب لم يرثوا شيئا، لأن هؤلاء لو أسقطوا أباهم لم يكن بينهم وبين الموروث قربى غيره.
هذا ترتيب المواريث على الفروض، ولنعد ترتيبها على النسب لتكمل الفائدة.
أما بنو الصلب، فإن الابن الواحد يحوز المال إذا انفرد، والاثنان والجماعة يقتسمونه بالسواء. وإذا اجتمع الذكور اقتسموا المال للذكر مثل حظ الأنثيين. وفرض الواحدة، إذا انفردت، النصف، وفرض الاثنتين فصاعدًا الثلثان.
وأما ولد الابن فميراثهم مع عدم ولد الصلب على سبيل ميراث ولد الصلب جملة من غير تفصيل. وميراثهم مع إناث ولد الصلب أن يأخذ ذكورهم ما فضل عن فرض الإناث بالتعصيب، فإن كان معهم إناث تقاسموا للذكر مثل حظ الأنثيين. فأما إناثهم فيأخذن مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين، الواحدة والجماعة، ويسقطن مع الاثنتين فصاعدًا، إلا أن يكون معها أو أنزل منها ذكر فيعصبها أو يعصب من معه في درجته معها، وإن كان مع الوسطى ذكر أخذ المال الباقي معها مقاسمة، ويسقطن من بعده، وإن كانت الطبقة العليا اثنتين استكملنا الثلثين، وسقطت الوسطى ومن بعدها، إلا أن يكون معه ذكر في درجتهن أو أنزل منهن.
وأما الأب فإذا انفرد حاز المال بالتعصيب، فإن كان معه ذو فرض، سوى إناث ولد الصلب وولد الابن، أخذ ذو الفرض فرضه، وأخذ هو الباقي بالتعصيب، فأما ميراثه مع ولد الصلب وولد الابن فيفرض له من ذكورهم وإناثهم السدس، ثم إن فضل عن إناثهم فضل أخذه بالتعصيب.
وأما الأم: فيفرض لها الثلث، إلا مع الولد وولد الابن والاثنين من الإخوة والأخوات، فإن فرضها مع هؤلاء السدس؛ وإذا كان معها أب وزوج أو زوجة ففرضها بعد أخذ وأما الجد فحكمه، إذا انفرد، أن يحوز المال كله ولا يسقطه جملة إلا الأب، كما تقدم؛ ويرث السدس مع ذوي السهام، إلا أن يفضل له شيء فيأخذه بالتعصب، ويحدب ولد الأم ما كانوا، كما تقدم؛ فإن كان مع أخوة أو أخوات أو مجموعهم، وكانوا أشقاء أو الأب، فإنه يأخذ معهم الأفضل من الثلث، أو المقاسمة لهم. فإن كان معهم ثلاث أخوات فأقل، أو أخر واحد فالمقاسمة أفضل، وإن كن خمس أخوات أو ثلاثة إخوة فأكثر فالثلث أفضل له، وإن كن أربع أخوات أو أخوين فتستوي المقاسمة والثلث. ثم حيث قاسمهم على المعادة فكان بعض مقاسميه أشقاء وبعضهم لأب، رجع الأشقاء على الذين من قبل الأب، فيأخذ الذكور كل ما في أيديم وتستوفي الأنثى والأنثيان نصيبهم.
مثال ذلك: أن يترك الميت جدًا وأخًا شقيقًا وأخًا لأب، فإن الأخ الشقيق يعد الجد بالأخ للأب، فيكون للجد الثلث وهو الذي تعطيه المقاسمة، ثم يرجع الأخ الشقيق فيأخذ سهم للأب فيكون في يده سهمان، وفي يد الجد سهم. وإن كان مع الأخ الشقيق أخت لأب فإن القسمة تكون ها هنا من خمسة: للجد سهمان وللأخ سهمان، وللأخت سهم، ثم يرجع الأخ فيأخذ ما بيدها. وإن كانت الأخت شقيقة والأخ للأب فالقسمة على خمسة، كما تقدم، ثم ترجع الأخت تأخذ تمام فرضها من يد الأخ، وهو ها هنا سهم ونصف، فيكمل لها به النصف من أصل المال.
وعلى هذا القانون يجري الأمر في المعادة، فإن كان الأشقاء يستوفون الثلثين لم تقع ها هنا معادة.
هذا حكم الجد إذا كان معه إخوة، ولم يكن معهم ذوو سهام، فإن كان مع ذوي سهام وإخوة، فإنه يعطي الأفضل من ثلاثة أشياء: السدس من رأس المال، أو ثل ما بقي بعد ذوي السهام، أو المقاسمة فيه.
مثل ذلك: أن يترك الميت زوجة وأخاً شقيقًا أو لأب وجدًا، فإن مقاسمة الأخ ها هنا أفضل للجد.
فإن ماتت امرأة وتركت زوجًا وأمًا وجدا وثلاثة إخوة أشقاء أو لأب، فإن السدس من رأس المال أفضل من في هذا للجد، لأن الزوج يأخذ النصف، وهو ثلاثة من ستة، والأم السدس وهو سهم، وتبقى سهمان، فالأفضل للجد أن يأخذ واحدًا منهما، وهو السدس.
وإن مات رجل وترك زوجة وجدًا وأربعة إخوة، فإن ثلث ما بقي أفضل للجد في هذا من المقاسمة، ومن السدس من رأس المال.
ثم إن كان الإخوة أشقاء ولأب، فحكمهم في المعادة وفي رجوع الأشقاء على الذين للأب، كما تقدم، إذا لم يكن معهم ذوو سهام.
ولا يفرض للأخوات مع الجد شيء مسمى إلا في الأكدرية. ولا يسقط الأخ مع الجد، إلا إذا كان عوض الأخت فيها، كما تقدم.
ثم حيث كان الأخ عوضها، وكان معه فيها إخوة لأم، وكان الأخ للأب خاصة، فقال القاضي أبو بكر: قال مالك: للزوج النصف، وللأم السدس فريضة، وللجد ما بقي. قال: لأن الجد يقول: لو لم أكن كان للإخوة للأم ما بقي، ولا يأخذ الأخ للأب شيئا، فلما حجبت إخوة الأم كنت أنا أحق به.
قال القاضي: وروي عنه وعن زيد أن للجد السدس وللأخ للأب السدس، كهيئة المقاسمة.
وأما الجدات ففرضهن السدس، في الانفراد والاجتماع، كما تقدم. ولا يرث منهن إلا اثنتان: أم الأم وأمهاتها، وأم الأب وأمهاتها. ولا يرث أم جد.
فأما ميراث الإخوة والأخوات للأب والأم أو للأب فعلى سبيل ميراث ولد الصلب وولد الابن. فالأخ للأب والأم إذا انفرد حاز المال، وإن كانوا إخوة ذكورًا اقتسموه بالسواء، فإن كان معهم إناث اقتسموا للذكر مثل حظ الأنثيين،. وفرض الواحدة إذا انفردت النصف، والاثنتين فصاعداً الثلثان.
وفرض ولد الأب إذا انفردوا كميراث ولد الأب والأم، فأما إذا اجتمعوا معهم، فإن ذكور ولد الأب والأم يسقطون ولد الأب جملة. وأما إذا اجتمع ولد الأب مع إناث ولد الأب والأم فإن ذكورهم يأخذون ما بقي بالتعصيب بعد فرض الإناث، ويأخذ إناثهم مع الواحدة من إناث ولد الأب والأم السدس تكملة الثلثين، يسقطن مع الاثنتين فصاعدًا إلا أن يكون معهن ذكر في درجتهن خاصة فيعصبهن.
وأما ولد الأم فللواحد السدس، وللاثنين فصاعدًا الثلث، والذكر والأنثى سواء.
ويتم المقصود من الباب بذكر فرعين.
الفرع الأول: إذا اجتمع في الشخص الواحد سببان، يورث بكل واحد منهما فرضًا مقدرًا، فإنه يرث بأقواهما ويسقط الأضعف، سواء اتفق ذلك في المسلمين أو المجوس، وذلك كالأم أو البنت تكون أختًا.
ولا يلزم، على ما قلناه، ابن العم يكون أخًا لأم، لأنه يكون ابن العم لا يرث فرضًا مقدرًا، وإنما يرث بالتعصيب.
الفرع الثاني:
إذا عدمت العصوبة من جهة القرابة، فالعصوبة لمعتق الميت، فإن لم يكن حيًا فلعصبات المعتق، فإن لم يكن فلمعتق المعتق، فإن لم يكن فلعصبات معتق المعتق إلى حيث ينتهي. فإن لم يكن واحد منهم فالمال لبيت المال، وهو أيضًا عصوبة على المشهور، ويستغرق إذا لم يكن وارث، ويأخذ ما بقي من أصحاب الفروض، إذا لم يكن للميت إلا ذو فرض.
قال الشيخ أبو عمر: فإن لم يكن عصبة ولا ولاء فبيت مال المسلمين، إذا كان موضوعًا في وجهه. ولا يرث ذوو الأرحام، ولا يرد على ذوي السهام. قال الأستاذ أبو بكر: قال أصحابنا: هذا في زمان يكون الإمام عدلاً، فإن كان غير عدل فينبغي أن يورث ذوو الأرحام، وأن يرد ما فضل عن ذوي السهام عيهم.
وقال أيضًا: رأيت لابن القاسم في كتاب محمد: قال: من مات ولا وارث له قال: يتصدق بما ترك، إلا أن يكون الوالي يخرجه في وجهه مثل عمر بن عبد العزيز، فيدفع إليه.
هذا حكم المسلم، فأما الكافر فقال الشيخ أبو إسحاق: إذا هلك الكافر المؤدي للجزية ولا حائز لماله بميراث يعلم، فماله لأهل دينه، يخص به منهم أهل كورته الذي جمعه وإياهم ما وضع عليهم من الجزية. وإن كان ذميًا مصالحًا كان ما ترك لمن جمعه وإياه ذلك الصلح الذي كان، أو من بقي من أعقابهم الموجودين.
قال: وفيها قول ثان أن ميراثه للمسلمين. قال: وبه يقول ابن القاسم محمد بن مسلمة.